(أنقِذُوا ما تَبَقّى مِنْ سَنَواتِ العُمر)
بعد فترة عملٍ امتدَّت نحو أكثر من ثلاثين عامًا يستحقُّ الواحد منَّا أن يفكر بالتَّقاعد المبكر؛ لإنقاذ ما تبقى من سنوات العمر، ويعتمد ذلك على ظروف الشخص وهو موضوع نسبيّ يختلف من شخصٍ لآخر، وينجح في ذلك من خطَّط لنفسه مُبكرًا.
فمثلًا كان لديَّ أصدقاء على قدرٍ كبيرٍ من الذَّكاء والقناعة بما قسمه الله لهم من رزقٍ، قرَّروا في مرحلةٍ مُتقدمةٍ من عمرهم أن يرتاحوا من العمل الروتيني رغم أنَّهم يستطيعون تقديم المزيد، لكنَّهم أخذوا بالمثل العاميّ “العمر ينتهي والعمل لا ينتهي”، وبدأوا يلتفتوا إلى حياتهم الشخصيَّة ويستمتعوا بقضاء وقتٍ أطول مع عائلاتهم.
وكذلك أعرف صديقًا والده من رجال الأعمال، وأعتبره نموذجًا يُحتذى به في التَّخطيط، سواء في العمل أو على الصَّعيد الشَّخصي، حتَّى أنَّه ترك العمل بالكامل لأولاده وأشرف فترة عليهم وبعد ذلك أصبح يزورهم كضيف، وللأمانة فقد نجح والدهم بالفكرة، ونجح أولاده بتحمُّل المسؤولية.
ولكلّ مرحلةٍ من مراحل العمر ما يميّزها، فمرحلة الشباب يغلب عليها الاندفاع والتَّسرع للوصول إلى النَّجاح، ومع مرور الوقت يزداد الإنسان حكمةً ويبدأ عقله بالنُّضوج أكثر؛ حيث يصبح أجدر على اتّخاذ القرارات بناءً على التَّجارب السَّابقة التي مرَّ بها والأخطاء التي تعلَّم منها الكثير، ويجب على الكبير أن يقدّم النَّصح لمن هم أصغر منه سنًا؛ لمساعدتهم على تجنّب الأخطاء التي وقع بها.
وفي العقد الخامس من العمر تتساوى الأمور لدى الإنسان فلا يعود يزعجه أيّ شيءٍ عابر؛ لأنَّه مرَّ بلحظاتٍ كثيرةٍ منها السَّعيد ومنها الحزين، وفي هذا العمر لا بدَّ من الاهتمام بالصّحة واتّباع حمية غذائيَّة؛ للحفاظ على سلامة الجسم من الأمراض، فما يصلح تناوله في عمر معين ربما يكون مضر في عمر آخر.
وما يميّز هذه الفترة من العمر رغبة الإنسان باسترجاع الذكريات الجميلة سواء بزيارة الأماكن التي عاش فيها أو مقابلة أصدقاء الطفولة والدراسة، ولا بدَّ من الإيمان بأن أعمارنا وأرزاقنا مكتوبة فلا داعي للقلق، وعدد سنوات العمر ما هو إلَّا رقم يضاف سنويًّا لحساب عدد الأيام التي مضت؛ لذلك لا بدَّ من الاستمتاع بالحياة بالسَّفر والجلوس مع العائلة والأصدقاء وأن يكون وجودك بينهم دافعًا لهم للعمل والإنجاز، كما كنت في بداية حياتك حيث أنجزتَ كثيرًا من الأمور النَّاجحة والتي جعلتك فخورًا بنفسك.
ودعوتي للتَّقاعد ليس كما يظنُّ البعض بأن يجلس الواحد منَّا على كنبةٍ في زاوية المنزل منتظرًا المرض أو انقضاء الأيام، وإنما قصدتُ الاستفادة من خبرة السنوات في عمل إنجاز وإحياء هوايات كان يفتقدها الإنسان في الجزء العملي من حياته؛ حيث كان يدور في عجلة تكوين الأسرة والعمل، أمَّا الآن وقد وصل إلى منتصف العمر فهنا من حقه أن يستمتع بباقي العمر.
وفي الختام أدعو من وصل إلى هذا العقد من عمره أن يحافظ على لياقة بدنه وصحته، وأن يستفيد من قدراته العقليَّة وعلاقاته الاجتماعيَّة التي لا تتوفر في أوّل العمر، وإنما تتوفر عندما يجد الإنسان وقتًا بعد مغادرته عمله الروتيني.
