كتب كامل مراد
( سَيَتَخلّونَ عَنكَ عِندَ انتِهاءِ خَدَماتِكَ )
مضى عشرون عامًا على قصَّتي هذه، عندما لممتُ أوراقي وغادرتُ آخر مكانٍ كنتُ أعمل فيه، وبعدها بيومٍ تذكرتُ أنَّني نسيتُ بعض الأوراق الشَّخصيَّة والتي لا علاقة لها بالعمل، فبادرتُ بالاتّصال على أحد الموظفين بالعمل لكي أخبرهُ بها فلم يردَّ على مكالمتي، وأنا أيضًا لم أكرّر الاتّصال به؛ لأنَّ رسالته قد وصلت لي، وكأنَّه يقول: “لم أعد أحد موظفيك”، وما فعله معي كان أمرًا مُزعجًا، فهو رمى سنوات العمل التي عملناها معًا خلف ظهره لحظة مغادرتي العمل دون أن يقدّم أيّ وفاءٍ لهذه السنين!
وبالنّسبة لي فضَّلتُ أن آخذ هذا الموقف من الجانب الإيجابيّ وهو ضرورة أن يكون الإنسان وفيًّا مع من عمل معهم، سواء كان رئيسًا أو مرؤوسًا، وألَّا تكون العلاقة مبنيةً على مصالح تنتهي صلاحيّتها بانقضاء العمل.
وفي أثناء فترة العمل كثيرًا ما يصطدم المدير مع نوع من الموظفين الذين مهما أحسن إليهم فلن ينال على رضاهم؛ لأنَّهم لا يرغبون العمل بإخلاص، ولا يريدون الالتزام بوقت الحضور والانصراف؛ ولأنَّ المسؤول عنهم ينفذ لوائح العمل بالثَّواب والعقاب فهذا ما يولّد تنافرًا في العلاقة بينهم، وعندما يغادر المدير مكان عمله يكون هؤلاء المقصرين أكثر النَّاس سعادةً برحيله.
ولا بدَّ للمدراء داخل العمل من تحييد تداخل المصالح في ما بينهم؛ بحيث يكون تقييم جميع العاملين خاضع لمعايير عادلة تحقق الرضا والأمان للجميع، ومن الطَّبيعي عند حضور مدير جديد بعد رحيل الأول أن تتغير خطط العمل، وهذا لا يعني وجود خلافات سابقة بين الإدارات وإنما هذا التَّغيير قد يكون اختلافًا إيجابيًّا يخدم مصلحة العمل، وطريقة العمل تختلف باختلاف الأشخاص؛ وذلك بسبب الأجيال والخبرات، فلكلّ مرحلةٍ متطلباتها، وأفضل من يحققها هم جيل هذه الفترة.
كما يجب على المدراء والموظفين ألَّا يغفلوا عن استشارة أصحاب الخبرات السَّابقين والذين عملوا في هذا المكان لحصاد خبراتهم، ولا بدَّ لمن غادر عمله وكان موظفًا أو مسؤولًا أن يتوقع ردود أفعالٍ مختلفةٍ من الأشخاص الذين عملوا معه، وربَّما يشعر بابتعاد بعض الأشخاص عنه عند تركه للعمل، لكن هناك آخرون يقدّرون المعروف وفترة العمل الجميلة مع الفريق الذي عملوا معه.
وحتَّى يومنا هذا وفي كبرى الشركات والبنوك وغيرها من المنشآت، هناك مدراء ومسؤولين تركوا بصمةً في فنّ الإدارة وفي التَّعامل مع الموظفين خلال فترة عملهم السَّابقة، ودائمًا ما يذكرهم موظفيهم بالسّيرة الحسنة ويحفظون جميلهم فيما علَّموهم، ويفتخرون أنَّهم كانوا تحت إدارة المدير أو المسؤول السَّابق؛ لذلك هذه دعوة لجميع الموظفين أن يعملوا جميعًا بأمانةٍ وإخلاصٍ، وأن يعامل المدراء من هم تحت إدارتهم ومسؤوليَّتهم معاملةً لبقةً، ويحافظوا على حقوقهم، ليبقوا في قلوبهم، وليكونوا سعداء عندما يقوموا بزيارة أماكن عملهم السَّابقة ويشعروا بحفاوة الاستقبال منهم.
