(الكَلِمَةُ الطَّيّبَةُ تَجبُرُ القَلبَ)
ونحن في قسم الطوارئ شاهدتُ نظرات ابنتي وهي تحاول الاطمئنان على طفلتها أثناء كشف الطَّبيب عليها، ودائمًا ما يحاول الآباء تخفيف القلق والحزن عن أبنائهم وإدخال الطمأنينة لقوبهم، فهم مصدر الأمان بالنّسبة لهم، فقلتُ لها وقلبي منفطرٌ لألمها على ابنتها: “ابنتي الأمور بخير والحمد لله عارض ويزول”، شعرتُ لحظتها أنَّها ارتاحت وخفَّ قلقها على ابنتها، فالأبناء يستمدُّون الإحساس بالأمان والطمأنينة من والديهم عند وقوعهم في مصيبةٍ تخصُّهم أو تخصُّ أبنائهم.
ففي لحظات المرض يكون المريض وأهله بأمسِّ الحاجة إلى كلمةٍ أو ابتسامةٍ تخفّف عنهم مصابهم، فابتسامةٌ على وجه الطَّبيب أو الممرّض كافيةٌ لإزالة الخوف عن أهل المريض أو المرافق له، فمعظمنا أثناء الفحص ننظر إلى وجه الطَّبيب لنقرأ تعابيره وردود أفعاله، والتي تشعر الواحد بالأمان والرَّاحة أو لا قدَّر الله تقلقه وتشعره بالانزعاج.
وأحيانًا نصادف بعض الأطبّاء لا يراعون الجانب النَّفسي لدى المريض، بل العكس فمن المحتمل أن يصاب المريض بالذعر أكثر من المرض الذي حضر من أجله؛ بسبب عدم الرد على أسئلته من قِبَل الطَّبيب ممَّا يزيد قلقه، وربَّما يقول البعض أنَّ الطَّبيب لا بدَّ أن يكون واضحًا وعلميًّا بردوده بعيدًا عن العاطفة، ونحن مع هذا الرأي، ولكن مع تقديم رأي الطَّبيب بأسلوب ليّن لطيف على القلب وكلام هادئ وابتسامة تشعر بالأمان وتوصل المعلومة للمريض بطريقةٍ خفيفةٍ على قلبه، فمن المعروف أنَّ الجانب النَّفسي له دورٌ كبيرٌ في العلاج، وتخفيف الألم، وهزيمة المرض والتَّخلص منه.
ومعظمنا لاحظ عند زيارته لبعض العيادات الطّبيَّة خطابات ورسائل الشُّكر المعلَّقة على الجدار والتي يقدّمها المرضى لأطبَّائهم، فتشعر وكأنَّ الطَّبيبَ أصبح صديقًا للمريض، ومصدرًا للدَّعم النَّفسي قبل العلاج البدني، فالطَّبيب لم يقدّم شيئًا مُختلفًا عن باقي الأطبّاء، لكنَّه تعامل بطريقةٍ ذكيَّةٍ مع المريض، وقدَّم له العلاج بطريقةٍ لطيفةٍ أقنعته أنَّ جزءًا من علاجه يكمن في قوة إرادته وعزيمته.
وأدرك تمامًا كميَّة الجهد الذي يبذله الأطباء في علاج المرضى، وإنقاذ حياة البشر، وأدرك كميَّة الأعداد الهائلة من المرضى التي تصلهم يوميًّا، والتي تجعلهم يتعاملون مع المرض بأعصاب هادئة؛ وذلك بسبب اعتيادهم على هذه المشاهد يوميًّا، ومع كلّ هذا الضغط أدعو الأطبَّاء أن يكونوا مصدر أمانٍ وطمأنينةٍ للمرضى، وأن يراعوا الجانب النَّفسي لدى المريض.
