(المُراهَقَةُ المُتَأَخِّرَةُ)
المراهقة المتأخرة أو ما تسمَّى بأزمة منتصف العمر، هي فترة يمر بها الرجال بعد سن الخمسين، حيث ينظر الشَّخص إلى نفسه فيجد العمر قد مضى به سريعًا فيرغب بتغيير هيئته لتكون مقاربةً للشَّباب، بحيث يكون في هذا العمر محط أنظار من حوله من أصدقاء وأهل، وأنَّه ما زال ينبض بروح الشَّباب، ومن وصل لهذه المرحلة لا بدَّ أن يكون على يقينٍ أنَّ مرحلته الحاليَّة هي من المراحل الجميلة، فكلّ مرحلةٍ من مراحل العمر لها جمالها الخاص، فهناك مرحلة الطفولة والشَّباب وما تحمله من ذكريات جميلة، وبعدها مرحلة النُّضوج وما تحمله من مسؤوليَّات، حتَّى الوصول إلى مرحلة التَّقاعد للراحة والاستمتاع بالحياة، بعد سنوات طويلة من العمل والإنجازات في مناحي الحياة المختلفة.
فالإنسان في هذه المرحلة من العمر يكون قدوةً في تصرُّفاته أمام جيل الشَّباب والمجتمع بصفةٍ عامةٍ، وذلك لما حصده من خبرةٍ وحكمة خلال هذه الفترة من الحياة، وقد نشاهد في بعض الأحيان تجاوزاتٍ لا تليق بمن تقدَّم بهم العمر، سواء من حيث ارتدائهم نوعيَّة ملابس لا تليق بعمرهم، أو إخفاء ملامح تقدُّم العمر في العيادات المختصَّة؛ لمحاولة إخفاء آثار الزَّمن على وجوههم، والتي إن اختفت خارجيًّا عن وجوههم فلن تختفي داخليًّا عن قلوبهم، حتَّى لو تمَّ استبدال الشَّعر الأبيض بالأسود فهذا لن يغيّر من جوهر الشَّخص، ولن يرجع الزَّمن به إلى الوراء.
فجمال الزَّمن أن يترك أثر بصماته على ملامح الشَّخص؛ فتراه في ذلك العمر قد ازداد وقارًا وحكمةً، وأجمل شيءٍ أن ترى الإنسان بصورته الحقيقيَّة؛ بحيث تستطيع معرفة عمره الحقيقي لتقدِّم له التَّقديرٍ والاحترامٍ، فليس من اللائق أن يحاول الإنسان تغيير ملامح عمره بحيث يعود صغيرًا؛ بل يجب أن يعيش الإنسان كلَّ مرحلةٍ من عمره بجمال تفاصيلها ويرضى بنفسه وعمره.
كما أنَّني مع محافظة النَّاس على صحَّتهم سواء بطريقةِ غذائهم أو أناقتهم أو ممارستهم للرياضة، فهذا شيء مطلوب ولا عيب فيه، لكنَّني ضد التَّصرف في هذا العمر كالشَّباب المراهق، وخلط الأمور في بعضها، فمثلًا: ليس من المناسب أن يكون محور حديث الشَّخص في هذا العمر عن علاقات الحبّ والهيام والزَّواج، دون مراعاةٍ لشعور أهله في المنزل.
ويعود سبب هذه المراهقة إلى وجود حرمان في فترة الشَّباب في أمور مختلفة من علاقات وتصرُّفات معيَّنة، بحيث يحاول الشَّخص تعويض ذلك الحرمان في الكبر بما لم يعشه في الصّغر، وكأنَّه يهرب من الحاضر إلى الماضي ليعيش تلك اللحظات المفقودة من حياته.
